التحدي

READ THIS IN ENGLISH

تصبح الأمور أصعب عندما تكون شاشة حاسوبك هي بوابتك إلى العالم الخارجي، حيث لا يمكنك الذّهاب إلى أي مكان، لكن في الوقت ذاته بإمكانك استعمال حاسوبك للوصول إلى أي مكان. ومع ذلك فإنك تفتقد الكثير من القدرة على إيصال الأفكار والأحاسيس، الأمر الذي يجعل التّواصل أمراً صعباً؛ خصوصاً في هذه الظّروف وفي خضمّ هذا الارتباك والتّوتر. 

نصائح متخصصي التّنمية البشرية مرهقة ومملة ومثالية أكثر من اللّازم، بالنسبة لي لم أعد أتابعها لا هي ولا أخبار فيروس "كورونا" لأنها تزيد من التّوتر وتقلّق الأعصاب على أمر لا طائل منه، خصوصاً بعد نصائح بعض الأطباء بالابتعاد عن كل ما يسبب الهلع لتفادي انخفاض المناعة.

هناك الكثير من خيارات التّرفيه، بالنسبة للأفلام، شاهدنا أكثرها، وبقي الكثير من اللّيل... مارستُ الرّياضة أسبوعاً كاملاً ثم توقفت، أشغال البيت لا تنتهي، نتعاون عليها، ومع ذلك في آخر السّهرة تتراكم بعض الأطباق في انتظار من يغسلها في اليوم التّالي. عقّمنا كل ركن في المنزل وأعدنا ترتيب الأثاث وتخلصنا من حمولة ثلاثة أكياس من أشياء لم تعد ذات قيمة. 

ننظر إلى ماضينا القريب جداً، بشيء من الحنين؛ عندما كنا نخرج من بيوتنا بكل سهولة ونصافح بعضنا بحرارة ونقتحم الازدحامات دون وجل… هذا كله أصبح من الماضي.

ألعاب الفيديو خيار جيّد للترفيه وتمضية بعض الأوقات، لكنها في نفس الوقت تزيد من العزلة وتسبب نوعاً من الإدمان الذي قد يبقى متواصلاً بعد انتهاء الحجر، الأمر الذي يمكن أن يؤثّر على الأنشطة الأخرى كالعمل والدّراسة. لذلك كنت أحاول استبدالها بالتّأمل، حيث أن منزلي يطل على جبل مكسو بالنّباتات، وعلى الرغم من أن هوايتي هي التّأمل كنت أجد صعوبة في التّأقلم مع الوضع الجديد لأنني كنت معتاداً على تأمل الطّبيعة عن كثب.

القراءة خيار جيد، لكنها متعبة حين تكون مفروضة، قرأت بعض الكتب ككتاب "من حرّك قطعة الجبن الخاصة بي؟- ?Who Moved My Cheese" وهو كتاب تحفيزي للكاتب سبنسر جونسون صدر عام 1998 ومكتوب بأسلوب الحكاية الرّمزية. يصف الكتاب التّغيير الذي يحدث في حياة النّاس وعملهم ويصوّر أربعة ردود فعل معتادة تجاه التّغيير من خلال رحلة قزمين وفأرين للبحث عن الجبن في متاهة... كما قرأت كتاب "قوة التّحكم بالذّات" لإبراهيم الفقي؛ هذا الكتاب يعيد الاتزان النّفسي في هذه الظروف، يتحدث الكاتب عن أسباب السّلوك البشري ويقسمها إلى أربعة أقسام: التّحدث مع الذّات والاعتقاد ووجهة النّظر إلى الأحداث والعاطفة ... وكتاب الأمير لمكيافيلي، دراسة في الفقه السّياسي أعدها نيكولو مكيافيلي سنة 1513."ليل الشّتا طويل" لكن نهار الحجر أطول منه، هذا الشّعور الذي ينتابني أيام الحجر، ولكسر الملل والرّوتين وإحداث شيء إيجابي قررت أنا وأحد الأصدقاء القيام بنشاط زراعي للاستفادة من المساحات المهدورة، فقمنا بالزّراعة على سطح أحد المباني حيث نقطن، لم يكن الأمر سهلاً؛ لكن شغفنا بالفكرة جعله ممتعاً، حيث قمنا بنقل الأتربة أربعة طوابق، وقمنا بالبحث عن مكان لبيع البذور، وزرعنا نبتة "الحبق" التي تستخدم في كثير من الطبخات، أهمها الأطعمة "كالكبة"، أو للاستفادة من رائحتها الجميلة.

بدأت تعلّم مهارات جديدة عبر الانترنت، كتحسين لغاتي الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية. هناك الكثير من المنصات التي تقدّم الدّورات للرّاغبين بها مجانًا كمنصتي "إدراك" و"رواق" العربية ومنصّة "كورسيرا Coursera" العالمية وشركتي "غوغل Google" "مايكروسوفت Microsoft". لذلك عمدت الى أخذ بعض الدّورات في اللّغات والرّياضيات إضافة الى دراستي الجامعية التي هي عبر الإنترنت أيضاً. نعم، منصات الإنترنت هي السّبيل الوحيد. 

رغم كل الأمور التي بإمكانك فعلها إلا أن البقاء في المنزل لفترة طويلة سيسبب الاكتئاب حتماً، لذلك كنت أبقي نفسي مشغولاً دائمًا إما بمساعدة العائلة أو بمحادثة الأصدقاء. وكنت أتابع أيضًا أخبار الأطباء، أبطال هذا الزّمن الذين يسعون جاهدين لإيجاد لقاح للفيروس. إنهم يخاطرون بحياتهم ليحفظوا حياة غيرهم. ما يبعث التّفاؤل أكثر هي المبادرات التي نشاهدها من حولنا، أكاد أجزم أن ما قادنا إلى تفادي هذه الأزمة في لبنان هو التّكاتف الذي رأيناه من حولنا. في إحدى تلك المبادرات يقوم أحدهم بالتّبرع الفردي بالفائض لديه ويقوم الآخر بالتّطوع لإيصال هذا الفائض إلى الأشخاص المحتاجين. كانت مبادرات فردية لكنها أحيت فينا الأمل وروح التّعاون. لقد تطوعت في إحدى المبادرات مع إحدى الجمعيات المحلية التي تقوم بإرسال تعليمات الوقاية وسبل الاستفادة من الحجر كالأنشطة التي يمكن للأهل أن يقوموا بها مع أولادهم.

خلاصة القول، إن بعض الخطوات البسيطة تحوّل هذه المحنة إلى منحة، كاجتماع العائلة وتطوير المهارات وتقوية العلاقات والاستفادة من مواقع التّواصل الاجتماعي لتقوية العلاقات بين النّاس والمعارف، فضلاً عن الأنشطة المفيدة التي بإمكانك القيام بها. كل ذلك يمكن أن يجعل منك شخصاً مختلفاً عمّا كنت عليه، شخصاً أفضل بكثير، فانظر إلى النصف الممتلئ من الكأس دائماً...

عبد الكريم جنكي ، 22 سنة، طالب ، سوري يعيش في القبة - طرابلس شمال لبنان

Photo by Ian Chen on Unsplash