انعكاس

إن تجربة الحجر المنزلي صعبة على كل شخص كانت حياته الاجتماعية مليئة بالتّجوال وجدول حياته مليء بالمواعيد ولا يجد لحظة للجلوس مع نفسه أو حتى للاهتمام بعائلته، ولن يكون سهلًا عليه خوض هذه التّجربة التي دخلت إلى حياته بصورة مفاجئة وغيّرت كل شيء.

فبعد انتشار فيروس كورونا المستجد في جميع دول العالم، اعتبرت فترة الحجر المنزلي وكأنها إجازة قصيرة من كل حياتي المليئة بالعمل والتّجوال والازدحام، والأجمل من ذلك أصبح يومي في الحجر المنزلي مزدحمًا بأمورٍ لم أكن أفعلها من قبل وكنت أتمنى فعلها وأنا وسط مشاغلي القديمة والآن استطعت القيام بها دون أي عائق. فاضطررت أن أقضي أكبر قدر ممكن من الوقت داخل المنزل. لكل شخص تقريبًا هوايات معينة يفلح بها دون غيرها، إلا أن ضغوط العمل والدّراسة أو حتى العائلة وأيضًا ضيق الوقت يجبر المرء على نسيان هواياته هذه. إن الحجر المنزلي وفّر لي إلى حدٍ كبيرٍ وقتًا لممارسة هذه الهوايات مثل "قراءة الرّوايات" فهي أداتي الفعّالة جدًا لكسر مللي وتغيير روتيني اليومي أثناء فترة الحجر. كما أن القراءة قادرة على أن تجعلني أنسى ولو لوقتٍ قليلٍ واقعًا ربما يكون مزعجًا. أنا من هواة القراءة فهي المفتاح الأساسي لتطوير ذاتي، وكسبي للعديد من المعارف في كل شؤون الحياة، وفهمي لما يدور حول الإنسان من أحداث، وهي وسيلتي لفهم الكون والنّاس من حولي، لذلك فإن الحظر والإغلاق والحد من التّنقل بسبب تفشي فيروس كورونا كانت فرصةً للعودة إلى القراءة والاستمتاع بالكتب مرة أخرى.

إن الحجر الصّحي لا يعني الوحدة والبعد الاجتماعي فالتطور التكنولوجي مكّنني من البقاء على تواصلٍ دائمٍ بكل الأهل والأصدقاء، وأصبح يمكنني دائمًا تخصيص بعض الوقت للاتصال أو الدردشة أو ربما التّواصل عن طريق الفيديو عبر " WhatsApp , Messenger …" وتطبيقات أخرى مختلفة. وأيضاً أتاح لي قضاء وقتًا ممتعًا مع أصدقائي في ألعابٍ مختلفةٍ مثل "Jawaker, Fifa, Fortnite… " ولعب الألعاب الإلكترونية الفردية والجماعية التي تساعدني في تمرير الوقت عبر جهاز الـ"PS4"، وأيضًا مشاهدة الأفلام فهي واحدة من أكثر الأنشطة التي تثير إعجابي في الوقت الرّاهن، حيث أن هذه الأيام هي الأفضل للاستمتاع بها في المنازل، إذ يمكنني الاستفادة من خدمات "Netflix" لمشاهدة الأفلام والمسلسلات الجديدة أثناء الحجر الصّحي. 

بالإضافة إلى ذلك، وبسبب كوني موظف كنت قبل العزل أستيقظ من السّابعة صباحًا وأنام في السّاعة الواحدة بعد منتصف الليل. لذا أول ما فعلته في عطلتي هو أنني أشبعت رغبتي الكاملة من النّوم الذي كنت اشتكي من قلته. لكن لا بدّ من العمل حتى في ظل تفشّي الكورونا وفي الحجر المنزلي المفروض، لذا بدأت العمل عن بُعد فهو الأكثر فعالية وإنتاجية في ظل هذه الظّروف وأكثر مما كان يعتقده بعض أصحاب العمل إذ إنه صديق للبيئة وموفّر للوقت ويتجنّب في نهاية المطاف تلك الاجتماعات التي لا نهاية لها والتي يمكن الاستعاضة عنها بسهولة عبر تبادل الرّسائل الإلكترونية، وبالتّالي ممارسة حياتي العملية بشكل شبه طبيعي وإقامة التّوازن بين عملي وحياتي. وفي فترة الحجر المنزلي لجأت إلى العديد من الخدمات التي توفّرها شبكة الإنترنت منها العمل من المنزل والتعلّم عن بعد والاستفادة من المحتوى التّعليمي على اليوتيوب وإتقان مهارات جديدة أو قراءة الكتب الرّقمية العديدة التي وفرت لي خيارات لا حدود لها. 

كما كنت أجلس مع نفسي أتأمل حياتي قبل الحجر المنزلي وأتذكر نقاط الضّعف فيها والعقبات التي تقف أمام نجاحي، فأحيانا وأنت وسط مشاغل الحياة تقع في أخطاءٍ لا تستطيع تشخيص أسبابها ولكن عندما تجلس وتسترجع الأحداث وأنت مسترخي ستتعرف على أسباب تلك الأخطاء. لذا فعلت ذلك وأحضرت أجندة لأكتب فيها أخطائي القديمة وخطّطت جدولي لفترة ما بعد إنتهاء أزمة كورونا إن شاء الله.

استطعت من خلال جلوسي بالبيت أن أهتم بنفسي وصحتي وبدأت بتغيير الكثير من العادات السّيئة واستبدالها بعاداتٍ جيدةٍ، فمثلًا بدأت أمارس الرّياضة التي طالما كنت أتحجّج بعدم امتلاكي الوقت الكافي لأُمارسها ووضعتها ضمن جدولي عند عودتي للحياة بعد أن ينتهي الحجر المنزلي .

أيضًا جلست مع عائلتي لفترةٍ طويلةٍ فإن الحجر المنزلي كان فرصتي الفريدة لقضاء وقتٍ ثمينٍ مع أسرتي ووقت مناسب للمحادثة وتبادل الأحاديث والآراء. كنت أسعى دائمًا للتّواصل العاطفي مع عائلتي من خلال المشاركة في الأنشطة العائلية فهي تساعد كثيرًا في تخفيف الضّغط النّفسي عن الأسرة وتزيد من تلاحمها وقوتها على التّحدي.

وأخيرا، جعلت من الحجر المنزلي مراجعة لأفكاري واستراحة لذهني وبداية لتصحيح أخطاء كنت أمارسها في حياتي اليومية وأعدت النّظر فيها وكتابتها كخواطر أو كيوميات الخاصة، وأيضًا عند شعوري بالضّغط النّفسي أو التّوتر ألجأ أولًا إلى الله لأصلي وأشاركه مخاوفي فلدي فرصة حقيقية لتغيير حياتي نحو الأفضل في علاقتي مع الله ومع ديني.

محمد كانون، 25 سنة، إدارة أعمال، لبناني يعيش في طرابلس شمال لبنان

Photo by Aaron Burden on Unsplash