يومي في الحجر الصحي المنزلي

READ THIS IN ENGLISH

مثل عادتي في الأسابيع الأخيرة ومنذ بدأت فترة الحجر الصحي استيقظت متأخرة قليلاً ، قمت من فراشي وبدأت جولتي التفقدية في المنزل، وكالعادة كل من في المنزل نيام.

أبي الذي توقف عمله بسبب الحجر وأخي الكبير كذلك أما إخوتي الصغار فقد أغلقت مدارسهم، وأمي ضاق صدرها من " عجقتنا" في البيت فاستغلت نوم الجميع لتحظى بمزيد من الراحة استعداداً ليوم آخر يبدو طويلاً.

أما انا فقد جلست كعادتي اليومية الجديدة في هذه الفترة الصعبة أمام نافذتي المطلة على الشارع أراقب العصافير والسيارات وأترك العنان لتفكيري أن يسرح ويربط الماضي بالمستقبل فتارة أتذكر ألأيام التي خلت وما اعتدت القيام به من زيارة للمنازل ورسم الخرائط ومتابعة أعمال التنفيذ بحكم عملي كمهندسة في مشروع إعادة إعمار المنازل وتارة أفكر في بعض المشاريع التي أخطط أن أقوم بها مستقبلاً.

تستمر خلوتي مع نفسي عند النافذة إلى أن يقطعها صراخ يأتي من الغرفة المجاورة، إنهما أخواي الصغيران استيقظا وبدآ مسلسل المناكفات اليومية وكان كافياً لإيقاظ كل من في البيت. 

في هذه الأثناء أغلق باب غرفتي ، أقوم بتشغيل كومبيوتري المحمول وأبدأ العمل على أطروحتي الجامعية فأنا أحاول الحصول على الماجستير عن بعد وهناك عمل كبير علي القيام به وانجازه إذ أنني أسابق الزمن فأنا لا أملك خبرة كافيه في إعداد الأطروحات. أنكب على العمل وانقطع عن كل ما يدور حولي في المنزل لمدة تتجاوز الأربع ساعات متواصلة لا يوقظني سوى شعور بالإرهاق الشديد يجتاحني فجأة فأعلم أن طاقتي انتهت وتحتاج الى تجديد. أغلق كومبيوتري وأفتح باب غرفتي لأنضم الى عالم جديد خارج الغرفة فيه أناس لطالما افتقدت القدرة أن أحظى بوقت أجلس فيه معهم قبل فترة الحجر فقد كنت مشغولة دائماً خارج المنزل وعند عودتي أتحسس طريق السرير لشدة تعبي واغرق في نوم عميق، أما الأن فها أنا أجلس معهم.تارة أحادث أختي التي تأخر سفرها بسبب إغلاق المطارات وهذا ما منعها ان تلتحق بزوجها هذا الشهر وتارة أخرى أساعد والدتي في إعداد الطعام، الطعام الذي لم أعلم عن إعداده شيئاً من قبل أما الأن فقد أتقنت إعداد بضعة أكلات منزلية لم أتخيل نفسي مسبقاً في المطبخ أقوم بطهي الطعام وتقديمه. إنها نعمة الحجر الصحي المنزلي الذي غير نمط حياتي بشكل كامل.

" أنت الإيجابي" للكاتبة أنيتا باباس، إنه الكتاب الذي بدأت قراءته منذ ثلاثة أيام . إنها عادة جديدة اكتسبتها في هذه الفترة فلطالما أحببت القراءة لكن ضيق وقتي وكثرة انشغالي منعني منها وحرمني متعتها وها انا الآن أحاول استعادة نفسي من خلال بعض الكتب التي اقتنيتها على أمل قراءتها لكنني لم أفعل.

" آدم " أخي الصغير يأتيني كل يوم قبل الغروب بساعة وبعد أن يستنفذ كل طاقته في اللعب بكل غرف المنزل يريد مني أن أساعده في فهم دروسه التي أرسلتها مدرسته عبر الإنترنت لنا كي نعلمه إياها حفاظاً منا على عاداته الدراسية وهنا يبدأ التحدي الجديد. 

عند المساء، أقوم بمساعدة أمي وأختي في تحضير مائدة الإفطار فنحن الآن نجتمع جميعاً على مائدة الإفطار، إننا في شهر الصوم- شهر رمضان المبارك، نحظى بطعام جماعي لطالما افتقدته، نتحدث في أمور متنوعة، نضحك نتسامر قليلاً بعد الإفطار ثم نجلس معاً لنتابع أحد المسلسلات. نعم أصبح لدي وقت لمتابعة المسلسل المسائي، إنها نعم الفراغ التي لطالما سمعت عنها وكنت أظنها ضرباً من الخيال.

أعود لغرفتي، أجلس مجدداً مع نفسي، أدعو ربي أن يزيل هذا الوباء حتى نعود لحياتنا الطبيعية فرغم قربنا من بعضنا البعض كعائلة إلا أن مدخراتنا شارفت على الإنتهاء ونحتاج أن نعمل حتى ننفق على احتياجاتنا الأساسية.

أضع نفسي في سريري، أغلق عيني إعلانا مني لانتهاء يوم جديد من الحجر المنزلي الصحي يشبه ما سبقه من أيامه فأيامي التي اعتدت على مفاجآتها وتقلباتها أصبحت شبيهة لبعضها وأغط في نوم  عميق على أمل يحمل الغد مفاجآت وأخبار جميلة تعزز قدرتنا على الإستمرار وتبعث الأمل في نفوسنا التي أرهقت.